تفاصيل المدونة

التفاوض لحل الأزمات

اتفق العلماء على أن التفاوض ليس عملية حسابية يمكن الحصول فيها علي النتائج طبقا لخطوات أو معدلات ثابتة وإنما هو نشاط يخضع لعديد من المؤثرات النفسية والخارجية طبقا لظروف البيئة التي نعيش فيها. ولكنك تستطيع أن تدعم محاولاتك تجاه تطوير أدائك التفاوضي من خلال اكتساب المعرفة والمهارة في استخدام بعض الاستراتيجيات التي تمكنك من زيادة تأثيرك في النشاط التفاوضي .

وهناك اعتقاد خاطئ بأن التفاوض لا يتم إلا إذا كان هناك تلاعب أو مغالطات أو خلافات أو صراعات. ذلك لأن البعض تعود أن يرى العالم من وجهة نظره هو فقط. إنما الصحيح هو أن تتسع وجهة نظرك لتشمل وجهات نظر أخرى قد تضيف أو تعدل من وجهة نظرك.
وقد توصل الباحثون إلى الربط بين التفاوض وبين فروع المعرفة فوجدوا أن التفاوض يبدأ التفاوض بالكلمة الشفهية ويمر بعدة مراحل حتى يصل في النهاية إلي التعاقد وصياغة الاتفاقيات بشكل محكم مما يعني أنه مراحل وخطوات وإجراءات. .كما أنهم وجدوا أنه يلبي حاجة أجتماعية لدى الإنسان لأنه يهدف إلي صياغة أو بناء وإنهاء صراع أو نزاع أو تحقيق مشروع مشترك . لذلك كانت المهارات التفاوضية التي يستخدمها الإنسان نتاج فنون مارسها وأبدع في بعض جوانبها وحقق من خلالها الكثير من التقدم والتطور في الحياة .

إن الوصول إلي نظريات وقوانين علمية في مسألة التفاوض يمكن تطبيقها هي مرحلة حديثة يجب العمل بها بما يعني أنه علم. كما أنه يتطلب استخدام أساليب وتكتيك ومهارات اكتشفها الإنسان ومارسها منذ القدم فهو فن في حد ذاته. كما يتطلب استخدام الكلمة والرمز في التعبير بالصورة التي تخدم الهدف التي هي فرع من فروع الآداب.

التفاوض مهارة إنسانية تحتاج إلي اختيار الشخصية المناسبة لاكتسابها أو تطويرها واستخدامها . وليس معنى ذلك أن التفاوض يمكن أن يكون حكرا علي فئة اجتماعية أو صفة وراثية معينة ولكن الوصول إلي درجة مناسبة من المهارة وتحقيق مستوى إبداعي يحتاج إلي الاستعداد الشخصي للقيام بهذه المهمة .

فالسلوك التفاوضي هو أداء إنساني ناتج من تفاعل الشخصية مع البيئة التفاوضية وتكوين الشخصية التفاوضية المناسبة ترتبط بالوارثة الاجتماعية التي نشأ عليها الفرد أو ما قدمته من اتجاهات إيجابية أو سلبية نحو ممارسة العملية التفاوضية . والشخصية التفاوضية تحمل الكثير من القيم التي تساهم في تكوين اتجاهاتها نحو الإيمان بالتفاوض بصورة إيجابية . ونجاح الأداء التفاوضي يرتبط بدرجة الرضا التي يسببها للشخصية التفاوضية وما يمثله ذلك من تغذية عكسية تساعدها في إعطاء المزيد من التطوير في الأداء التفاوضي . ودرجة الرضا في البيئة التفاوضية التي تحوى طرفي التفاوض في وقت معين تمثل عنصرا هاما في ضمان استمرار وانطلاق العملية التفاوضية حيث أنه في حالة رفض البيئة التفاوضية للأداء التفاوضي فإن استمرار العملية التفاوضية نفسها يصبح مهددا بالتوقف .

فما علاقة التفاوض بحل الأزمات؟
يفيد علم إدارة الأزمات في الحماية من الخطر في حدود الممكن قائما على تحقيق التصرف الموضوعي الذي يعتمد علي تكامل المعلومات لاتخاذ القرار المناسب الذي يخفف حدة الأزمة. والأزمات لا تأتي فجأة، بالرغم من الشائع عنها، فهي تبدأ بأن تكون مشكلة ثم تتحول إلى حدث ثم تصل إلى حد الأزمة إن لم يتم التعامل معها. فكيف ذلك؟
تعرف المشكــلة على أنها قصور في الأداء بين ما هو قائم وما هو متوقع أوانحراف وعدم توازن بين ما هو كائن وما يجب أن يكون.
أما الحدث فهو خلل يؤثر تأثيرا ماديا جزئيا كأن يتوقف الأداء أو يجب إيقافه لحين تعديل الخطة أو الإجراء.
والأزمة هي عبارة عن خلل يؤثر تأثيرا ماديا ويهدد الافتراضات الرئيسية. كما يمكن تعريف الأزمة بأنها " تغير مفاجئ حاد غير مرغوب فيه يترتب عليه تهديدات غير متوقعة لحياة الإنسان أو ممتلكاته أو كليهما ويسبب فزع الأفراد والمجتمع". فلو تتبعنا مراحل التعامل مع الأزمات نجد أن التفاوض يمثل أداة هامة في هذا السياق.
فالمرحلة الأولي هي اكتشاف إشارات الإنذار. فعادة ما ترسل الأزمة قبل وقوعها بفترة طويلة سلسلة من إشارات الإنذار المبكر أو الأعراض التي تنبئ باحتمال وقوع الأزمة .
ويطلق على المرحلة الثانية مرحلة الاستعداد والوقاية بعد اكتشاف الإشارات والإنذارات المشار إليها.
ثم تأتي المرحلة الأهم وهي المرحلة الثالثة والتي نعمل فيها على احتواء الأضرار والحد منها مما يستلزم ضرورة إعداد وسائل للحد من الأضرار ومنعها من الانتشار لتشمل الأجزاء الأخرى التي لم تتأثر بعد. من أهم هذه الوسائل هو التفاوض خاصة إذا ما كانت الأزمة تتعلق أو تؤثر وتتأثر بأكثر من طرف. عندها يجب أن تجتمع الأطراف المعنية على مبدأ قبول التفاوض والرضى بنتائجه وصولا إلى التقليل والحد من الأضرار التي قد تصيب الكل.
وعند الوصول إلى هذا التراضي تبدأ المرحلة الرابعة وهي مرحلة استعادة النشاط
والتي تشمل إعداد وتنفيذ برامج ( معدة مسبقا وتم اختبارها ) قصيرة وطويلة الأجل للتعامل مع الآثار كما تشمل التعلم من الدروس المستفادة وإعادة التقييم لتحسين ما تم إنجازه في الماضي.
التفاوض هو إذن من أهم أساليب حل الأزمات سواء كانت عالمية أو إقليمية أو محلية أو حتى تنظيمية مرتبطة بمنظمة ما.